نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 472
وقال السدى: نزلت فى الأعراب الذين ذكرهم الله فى سورة الفتح، وهم أعراب من جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار، كانوا يقولون: آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم، فلما استنفروا إلى الحديبية تخلّفوا، فأنزل الله عز وجل فيهم هذه الآية: (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) [1]. ولعلّ هذا هو أولى الأقوال بالصواب لما بين السورتين: الفتح والحجرات من رابطة فى الترتيب المعنوى والوضعى، والله أعلم.
[شرح الآيتين]
وفى الآية بحثان جديران بالعناية وإنعام النظر.
أولهما: بيان حقيقة الإيمان وآثاره.
وثانيهما: التفرقة بينه وبين مجرّد الإسلام.
[حقيقة الإيمان ودرجات الناس فيه]
فاعلم- يا أخى- أن الإيمان عقيدة قلبية تخالط القلب، وتستولى على النفس، وتتملك الفؤاد، فترى المؤمن ذاكرا لعقيدته، فانيا فيها، مضحيا فى سبيلها، يراها فى حلمه ويقظته وغدوّه ورواحه؛ لأنها ملكت عليه نفسه، واستولت على مواطن حسّه.
والناس فى الإيمان متفاوتون مختلفون درجات بعضها فوق بعض، فأنت مصدق بشيء وسمعت عنه، فإذا قرأت عنه بعد ذلك زاد إيمانك به وتصديقك فيه، فإذا رأيت صورته ثبت هذا الإيمان فى قلبك، فإذا رأيته رأى العين؛ وفتشت فيه؛ وعرفت ظاهره؛ وخافيه انتهيت إلى درجة من الإيمان لا تقبل شكّا ولا يتطرّق إليها وهن.
كذلك إيمان المؤمن بالله تبارك وتعالى تتفاوت درجاته وتتباين منازله، فمن الناس من يدّعون الإيمان وهم فى هذه الدعوى كاذبون كالذين قال الله فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ [البقرة: 8، 9].
ومنهم: من يؤمن فى الرخاء حتى إذا عضّته الشدة بأنيابها انقلب على عقبه وكفر [1] المصدر السابق (7/ 350).
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 472